حوار | د. فرحات: فيروس كورونا ينذر بأمراض نفسية خطيرة

تنذر نهاية فيروس كورونا المستجد والمتفشي في البلاد وحول العالم بظهور الكثير من حالات الاكتئاب وحالات ما يعرف بـ"الوسواس القهري" لدى المواطنين ومنهم شريحة البالغين في السن.

حوار | د. فرحات: فيروس كورونا ينذر بأمراض نفسية خطيرة

د. كمال فرحات (عرب 48)

تنذر نهاية فيروس كورونا المستجد والمتفشي في البلاد وحول العالم بظهور الكثير من حالات الاكتئاب وحالات ما يعرف بـ"الوسواس القهري" لدى المواطنين ومنهم شريحة البالغين في السن.

وترافق حالات الاكتئاب هذه أعراض مرضية كفقدان الشهية للأكل وتراجع جهاز المناعة لديهم بشكل قد يكون أخطر عليهم من فيروس كورونا نفسه.

وحول ذلك، حاور "عرب 48" الاختصاصي النفسي، د. كمال فرحات، عن انعكاسات الوباء على العلاقات الاجتماعية والاقتصادية داخل الأسرة، وبعض الجوانب الإيجابية والترابط الأسري الذي افتقدته الأسر العربية منذ سنوات طويلة.

"عرب 48": كيف ستنعكس آثار وباء "كورونا" على الصحة النفسية للمواطنين، وأي ظواهر قد تنشأ بعده؟

د. فرحات: أكثر شيء قد يزعج الإنسان ويجعله يعاني ويشعر بالأسى، هو أن تفرض عليه نمط حياة مفاجئ ومغاير كليا لنمط الحياة الذي اعتاد عليه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مجتمعنا دافئ وحميمي، وما يحدث اليوم هو دخول عدو مباشر يهدد الجميع، كبارا وصغارا، لدرجة أنه سلب منه الحميمية والدفء والعلاقة اليومية القريبة بين الأهل والأولاد، وهذا الأمر وقع علينا بغتة حتى أصبح الواحد منا يضع طبق الطعام لوالديه على باب المنزل ويبتعد ثم يشير لوالده أو والدته بأن يأخذوا الطعام الذي وضعه على الباب.

من هذا المنطلق، أعتقد أنه كلما طالت مدة هذا الوباء فإن هناك ظاهرتين سوف تطغيان وتتفاقمان مع مرور الوقت، أولهما على مستوى النمط الفكري والنمط العاطفي، بالإضافة إلى الجانب الصحي الذي يجعل هؤلاء الأشخاص (كبار السن) لا يتعرضون لأشعة الشمس التي هي ضرورية لمنع هشاشة العظام وتقوية جهاز المناعة لديهم، فأنا أتوقع أن هذا الاختباء خلف الجدران سيحمل تأثيرات بيولوجية وفسيولوجية أيضًا، وليست فقط نفسية وعاطفية.

"عرب 48": هل كانت هناك نماذج مشابهة في الماضي أفرزت مثل هذه الحالات من الخوف والهلع التي يشعر بها الجميع في العالم، اليوم؟

د. فرحات: نعم، نحن نذكر مرض نقص المناعة المكتسبة "إيدز" في بداية ظهوره، إذ أفرز مضاعفات خطيرة لحالات هلع "فوبيا"، فقد عاش الكثير من الناس لسنوات في خوف وهلع من الإيدز قبل أن يكتشف الطب أنه ليس من السهل انتقال العدوى من شخص إلى آخر، وللمقارنة فإن فيروس كورونا هو أخطر بكثير لأن انتقال العدوى فيه سريعة في الوقت الذي لا يكون فيه ناقل العدوى مريضا، لذلك فإن الأمر هذا يعيدنا إلى الأوبئة التي سجلها التاريخ قديما والتي حصدت حياة الملايين كل 100-120 سنة، وآخرها الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 التي حصدت أرواح أكثر من 50 مليون شخص حول العالم.

"عرب 48": كيف ينعكس تأثير الوباء على نفسية كبار السن (الفئة الأشد تعرضا للخطر)؛ وهل سيعانون من اضطرابات بعد مرور الأزمة؟

د. فرحات: نعم، بالنسبة لكبار السن وبالنظر إلى سلبهم نمط حياة معين اعتادوا عليه على مدار عشرات السنوات، فإن هذه الجائحة تسبب ما يسمى بـ"امتصاص المعايير الاجتماعية التي اعتادوا عليها"، فهم اعتادوا أن يكونوا المرجع بالنسبة للأبناء، كما اعتادوا أن يجمعوا العائلة في منازلهم وعلى زيارة الأحفاد لهم، وكل تلك الأمور فقدوها فجأة وبدون سابق إنذار ودون الاستعداد لوضعية اجتماعية كهذه، وهذا الأمر ينطبق على العالم بأكمله ولا نخص بالذكر المجتمع العربي فقط، فهذه الحالة تشبه انتزاع شخص من بين الناس ووضعه في غرفة مظلمة بما معناه أنك تعزله عن محيطه الاجتماعي وعلاقاته الاجتماعية وهو سبب رئيسي لأمراض الاكتئاب التي يعاني منها كبار السن، وإذا لم ننتبه لهذا الخطر فإننا سنلاحظ العديد من حالات الاكتئاب الخطيرة لدى كبار السن بعد مرور هذه الأزمة، ومرض الاكتئاب ينعكس أيضا على صحة المريض، سيما وأن الاكتئاب قد يرافقه فقدان الشهية عن الطعام وهبوط في جهاز المناعة، ونحن كاختصاصيين نفسيين نحاول، اليوم، نقل رسالة وإسماع صوتنا لوزارة الصحة والسياسيين بأننا ندرك كل التدابير التي يتخذونها في سبيل حماية هذه الفئة من كبار السن، لكنهم في الوقت ذاته لا يعلمون بأنه إذا طال أمد هذه الإجراءات فإنها ستأتي بنتائج سلبية على صحة كبار السن، وهي أخطر من مرض كورونا نفسه.

"عرب 48": هل تعتقد بأن مجتمعنا سيفقد الحميمية والدفء الاجتماعي بعد مرور الوباء؛ بمعنى أن هذا الجفاء سيصبح روتينيا؟

د. فرحات: أعتقد أن هذا الأمر سيستمر لفترة معينة، وسيؤثر على العلاقات بين الناس حتى في الأفراح والأتراح، ولكن من المعروف في علم النفس عن مضاعفة ما يسمى "extension"، بمعنى أنك لو أخذت حبلا من المطاط وشددته ثم بقي مشدودا لفترة طويلة فإنه لا يعود مطاطا وتصبح فيه رخاوة، وهذا باعتقادي عامل إيجابي لأنه يبدد إلى حد ما الخوف لدى من يخافون على صحتهم بشكل مبالغ فيه. فاليوم أصبح الواحد منا يعتقد أنه لن يكون هناك موت بعد زوال وباء كورونا، لكن أعتقد أن الخوف والالتزام بالتعليمات ستبقى مسيطرة على المجتمعات، والخوف من الاقتراب الجسدي والتقليل من المناسبات الاجتماعية ستبقى ترافقنا لفترة معينة، قبل أن تبدأ بالزوال تدريجيا، فنحن شعب ينسى بسرعة وعاداتنا متأصلة منذ آلاف السنين.

"عرب 48": هل ترى أمورا إيجابية خلفتها أزمة كورونا؟

د. فرحات: نعم، بلا شك هناك بعض الأمور الإيجابية، فقد علمنا وباء كورونا مدى أهمية نظافة اليدين، التقليل من التقبيل بسبب وبدون سبب، وباعتقادي هذا الوباء علمنا بأن نضع ضوابط لهذه الأمور التي قد تنجم عنها مخاطر ونقل عدوى وأمراض غير كورونا.

"عرب 48": ماذا عن العلاقات بين الأهل والأولاد؟

د. فرحات: هناك جانب إيجابي جدا في هذا المضمار فنحن نرى الأولاد يعيشون، اليوم، فترة من التقرب للعائلة والتي لم نعهدها منذ زمن طويل، فقد استرجعنا هذه العلاقة المهمة جدا بين الأهل والأولاد، لكن السؤال كيف سيكون حالهم عندما يطلق سراح الأهل ويعودون إلى انشغالاتهم وأعمالهم، ويعود الأولاد إلى ألعابهم وإلى استخدام الكمبيوتر والهاتف النقال.

أعتقد أنه سيكون هناك نوع من البلبلة وردود الفعل السلبية على الأولاد، لكن أعود وأقول إن دوام هذا الوضع غير ضحي ويجب أن ينتهي لتعود الحياة والعلاقات إلى مجراها الطبيعي، وبحسب توقعاتي فإن عودة الحياة إلى طبيعتها ستستغرق بضعة أشهر.

من جهة أخرى، أرى من الإيجابيات أن يترك الأهل لأولادهم مساحة في التعبير عن مخاوفهم، سواء على مائدة الطعام أو في الجلسات المسائية، ومن المهم أن نشعرهم بالأمان، ولأول مرة أجد أن لمواقع التواصل الاجتماعي بعض الإيجابيات في تواصل الأولاد مع أصدقائهم.

"عرب 48": هل سنشهد ظواهر من الوسواس في كثرة غسل الأيدي واستعمال المعقمات وغيرها؟

د. فرحات: لا بد من ظهور حالات ما يسمى "الوسواس القهري"، لكنها باعتقادي ستتلاشى تدريجيا ولن تكون بمقاييس هدامة للمجتمع.

"عرب 48": كيف ستتأثر الأسرة نتيجة الجانب الاقتصادي الذي يسوء تدريجيا؟

د. فرحات: لا شك أن الوضع الاقتصادي يهدد الأسرة ربما أكثر من كورونا، كما يهدد توازن العائلة، ربما لن تظهر تأثيراته بشكل بارز، اليوم، لكن إذا استمر هذا الحال لفترة طويلة فإن أكثر أنواع الأمان التي يحتاجها الإنسان هو الأمان الاقتصادي لأنه متعلق بالمعيشة والعائلة مبنية على ذلك، بالتالي فإن واجب الحكومة، اليوم، ضمان الجانب الاقتصادي والمعيشي للمواطنين خشية أن تزداد موجات الاحتكاك وفورات الغضب داخل العائلات وتدهور الوضع الاقتصادي يرافقه رد فعل عنيف قد يكون هداما للعائلة والأسرة.

التعليقات